بحث كامل عن التلوث البيئي









التلوث البيئي يدمر الاماكن التي تحيط بنا. وتُعد الغازات والدخان في الهواء  والمواد الكيميائية والمواد الاخرى في الماء  والنفايات الصلبة على الارض  من اسباب التلوث.

التلوث البيئي مصطلح يُعنى بكافة الطرق التي بها يتسبب النشاط البشري في الحاق الضرر بالبيئة الطبيعية. ويشهد معظم الناس تلوث البيئة في صورة مَطْرَح مكشوف للنفايات او في صورة دخان اسود ينبعث من احد المصانع. ولكن التلوث قد يكون غير منظور  ومن غير رائحة او طعم. وبعض انواع التلوث قد لا تتسبب حقيقة فيتلوث اليابسة والهواء والماء  ولكنها كفيلة باضعاف متعة الحياة عند الناس والكائنات الحية الاخرى. فالضجيج المنبعث من حركة المرور والآلات مثلاً  يمكن اعتباره شكلاً من اشكال التلوث.

والتلوث البيئي احد اكثر المشاكل خطورة على البشرية  وعلى اشكال الحياة الاخرى التي تدب حاليًا على كوكبنا. ففي مقدور هواء سيئ التلوث ان يسبب الاذى للمحاصيل  وان يحمل في طياته الامراض التي تهدد الحياة. لقد حدّت بعض ملوثات الهواء من قدرة الغلاف الجوي على ترشيح اشعاعات الشمس فوق البنفسجية  والتي تنطوي على الاذى. ويعتقد العديد من العلماء ان هذه الاشعاعات  وغيرها من ملوثات الهواء  قد اخذت تحدث تغييرًا في مناخات العالم. وتهدد ملوثات الماء والتربة قدرة المزارعين على انتاج الغذاء الضروري لاطعام سكان العالم  كما تهدد الملوثات البحرية الكثير من الكائنات العضوية البحرية.

تلوث المدن
يرى كثير من الناس في ملوثات الهواء والماء والتربة اشكالاً متميزة من اشكال التلوث البيئي. الا ان كل جزء من اجزاء البيئة  اي الهواء والماء والتربة  يعتمد كل منها على الآخر  وعلى النباتات والحيوانات التي تعيش ضمن هذهالبيئة. وتشكل العلاقات بين كل الكائنات الحية وغير الحية في بيئة معينة نظامًا يسمى النظام البيئي. وترتبط كل الانظمة البيئية بعضها ببعض. وهكذا فان الملوث الذي يبدو وكانه يؤثر في جزء واحد فقط من البيئة  ربما اثر ايضًا  في اجزاء اخرى. فالدخان السخامي المنبعث من محطة قدرة  على سبيل المثال  قد يبدو مؤثرًا على الغلاف الجوي فقط. ولكن في مقدور الامطار ان تطرد بعض الكيميائيات الضارة الموجودة في الدخان واسقاطها على الارض او على مجاري المياه.

تنبعث بعض الملوثات  مثل انبوب المجاري الذي يطرح ماء متسخًا في نهر من الانهار  من نقطة محدودة او مكان محدد  ويعرف هذا بتلوث المصدر المحدود  في حين تنبعث ملوثات اخرى من مناطق واسعة. ففي مقدور الماء  الجاري في المزارع ان يحمل معه المبيدات والاسمدة الى الانهار  كما ان بامكان مياه الامطار ان تجرف الوقود والزيت والاملاح من الطرق ومواقف السيارات  وتحملها الى الآبار التي تزودنا بمياه الشرب. ويسمى التلوث الصادر عن مثل هذه المناطق الواسعة بتلوث المصدر اللامحدود.

يرغب كل شخص تقريبًا في الحد من التلوث  ولكن معظم التلوث الذي يهدد صحة كوكبنا حاليًا ياتي  لسوء الحظ   من منتجات يحتاجها كثير من الناس ويرغبون فيها. فمثلاً  توفر السيارات الراحة بنقلها للاشخاص  ولكنها تُنتج نسبة عالية من تلوث الهواء في العالم. وتنتج المصانع منتجات يستخدمها الناس  ويستمتعون بها  ولكن العمليات الكيميائية في مقدورها ان تسبب التلوث. وتساعد المبيدات والاسمدة في نمو كميات كبيرة من الاغذية  ولكنها تسمم التربة ومجاري المياه.

يتوجب على الناس ان يقللوا من استخدام السيارات  ووسائل الراحة الحديثة الاخرى  وذلك من اجل وضع نهاية للتلوث  او التقليل منه الى حد كبير  كما ان على بعض المصانع ان تغلق ابوابها او ان تغير طرق انتاجها. ولكن اغلاق هذه الصناعات سيزيد من البطالة  وذلك لان معظم اعمال الناس تعتمد على صناعات تسهم في التلوث البيئي. وبالاضافة الى ذلك  قد يؤدي توقف المزارعين فجاة عن استخدام المبيدات والاسمدة الى الحد من الغذاء اللازم لاطعام الناس في هذا العالم.

وعلى اي حال يمكن تقليل التلوث  بمرور الزمن  بعدة طرق  دونما اي تعطيل جدي لمسيرة حياة الناس. فمثلاً  يمكن للحكومات ان تسن تشريعات تشجع المؤسسات على تبني طرق تشغيلية قليلة التلوث. ويمكن للعلماء والمهندسين ان يطوروا منتجات تصنيعية نظيفة واكثر امانًا بالنسبة للبيئة  كما يمكن للافراد والجماعات في العالم ان يجدوا بانفسهم طرقًا تقلل من التلوث البيئي.


انواع التلوث البيئي

انواع التلوث
تشتمل انواع التلوث البيئي على تلوث الهواء  وتلوث الماء  وتلوث التربة  والتلوث الناتج عن المخلفات الصلبة والمخلفات الخطرة والتلوث بالضجيج.


تلوث الهواء. يعني اختلاط الهواء بمواد معينة  مثل وقود العادم والدخان. وبامكان تلوث الهواء الاضرار بصحة النباتاتوالحيوانات  وتخريب المباني والانشاءات الاخرى. وتقدر منظمة الصحة العالمية ان ما يقرب من خمس سكان العالم يتعرضون لمستويات خطرة من ملوثات الهواء.

يتكون الغلاف الجوي  في وضعه الطبيعي  من النيتروجين والاكسجين وكميات صغيرة من ثاني اكسيد الكربون والغازات الاخرى والهبائيات  جسيمات دقيقة من المواد السائلة او الصلبة . ويعمل عدد من العمليات الطبيعية على حفظ التوازن بين مكونات الغلاف الجوي. فمثلاً  تستهلك النباتات ثاني اكسيد الكربون وتطلق الاكسجين  وتقوم  الحيوانات بدورها باستهلاك الاكسجين وانتاج ثاني اكسيد الكربون من خلال دورة التنفس. وتنبعث الغازات والهبائيات الى الغلاف الجوي من جراء حرائق الغابات والبراكين  حيث تجرفها او تبعثرها الامطار والرياح.

يحدث التلوث الهوائي عندما تطلق المصانع والمركبات كميات كبيرة من الغازات والهبائيات في الهواء  بشكل تعجز معه العمليات الطبيعية عن الحفاظ على توازن الغلاف الجوي. ويوجد نوعان رئيسيان من التلوث هما :  1- التلوثالخارجي 2- التلوث الداخلي.

تلوث الهواء الخارجي. تُطلق في كل عام مئات الملايين من الاطنان من الغازات والهبائيات داخل الغلاف الجوي. ويحدث معظم هذا التلوث نتيجة احتراق الوقود المستخدم في تشغيل المركبات وتدفئة المباني  كما يصدر بعضالتلوث عن العمليات الصناعية والتجارية. فمثلاً  يُستخدم مركّب فوق كلوريد الاثيلين  وهو ملوِّث خطر  في الكثير  من معامل التنظيف الجاف  لازالة الاوساخ من على الملابس. وقد يؤدي حرق النفايات الى انطلاق الدخان والفلزات الثقيلة مثل الرصاص والزئبق داخل الغلاف الجوي. ومعظم الفلزات الثقيلة سام جدًا.

ومن اكثر الملوثات الهوائية الخارجية شيوعًا الضباب الدخاني  وهو مزيج ضبابي من الغازات والهبائيات بني اللون   يتكون عندما تتفاعل غازات معينة  منطلقة نتيجة احتراق الوقود والمنتجات البترولية الاخرى  مع اشعة الشمس في الغلاف الجوي  حيث ينتج عن هذا التفاعل مواد كيميائية ضارة تشكل الضباب الدخاني.

ومن الكيميائيات الموجودة في الضباب الدخاني شكل سام من اشكال الاكسجين يسمى الاوزون. ويؤدي التعرض لتركيزات عالية من الاوزون الى الاصابة بالصداع وحرقة العيون وتهيج المجرى التنفسي لدى العديد من الافراد. وفي بعض الحالات قد يؤدي وجود الاوزون في الطبقات المنخفضة من الغلاف الجوي الى الوفاة. كما يمكن للاوزون ان يدمر الحياة النباتية  بل ويقتل الاشجار.

يطلق مصطلح المطر الحمضي على المطر وغيره من اشكال التساقط  التي تتلوث بشكل رئيسي بحمضي الكبريتيك والنيتريك. ويتكون هذان الحمضان عندما يتفاعل غاز ثاني اكسيد الكبريت واكاسيد النيتروجين مع بخار الماء في الهواء. وتنتج هذه الغازات اساسًا عن احتراق الفحم والغاز والزيت في المَرْكَبات والمصانع ومحطات القدرة. وتتحرك الاحماض الموجودة في المطر الحمضي خلال الهواء والماء  ويسبب الضرر للبيئة على مدى مساحات  شاسعة. وقد ادى المطر الحمضي الى قتل تجمعات سمكية كاملة في عدد من البحيرات. ويؤدي ايضًا الى تلف المباني والجسور والنصب التذكارية. ويرى العلماء ان التركيزات العالية من المطر الحمضي يمكنها ان تتسبب في الاضرار بالغابات والتربة. وتشمل المناطق المتاثرة بالمطر الحمضي اجزاء شاسعة من شرق امريكا الشمالية واسكندينافيا ووسط اوروبا.

وتلوث كيميائيات تسمى الكلوروفلوروكربونات طبقة الاوزون في الغلاف الجوي العلوي. وتستخدم هذه المركبات في الثلاجات والمكيفات وفي صناعة عوازل الرغوة البلاستيكية. ويشكل الاوزون  وهو الملوث الضار الموجود في الضباب الدخاني  طبقة واقية في الغلاف الجوي العلوي  حيث تحمي سطح الارض من اكثر من 95% من اشعاعات الشمس فوق البنفسجية. ولان الكلوروفلوروكربونات تقلل طبقة الاوزون فان المزيد من الاشعاعات فوق البنفسجية سيصل الى الارض. ويدمر التعرض المفرط لهذه الاشعاعات النباتات  ويزيد من خطورة تعرض الناس لسرطان الجلد.

وتاثير البيت المحمي هو التسخين الناتج عن احتباس الغلاف الجوي لحرارة الشمس. ويسبب هذه الظاهرة غاز  ثاني اكسيد الكربون والميثان والغازات الجوية الاخرى  والتي تسمح لاشعة الشمس بالوصول الى الارض  ولكنها تحول دون خروج الحرارة من الغلاف الجوي. وتسمى هذه الغازات التي تعمل على احتباس الحرارة غازات البيت المحمي.

يؤدي احتراق الوقود والنشاطات البشرية الاخرى الى زيادة كمية غازات البيت المحمي في الغلاف الجوي. ويعتقد كثير من العلماء ان هذه الزيادة تكثف تاثير البيت المحمي وتؤدي الى رفع درجة الحرارة عالميًا. وقد تؤدي هذه الزيادة في درجة الحرارة والتي تسمى التدفئة العالمية الى حدوث مشاكل كثيرة. وبامكان تاثير البيت المحمي  اذا كان قويًا  ان يتسبب في انصهار المثالج واغطية الجليد القطبية  وان يؤدي الى فيضان الشواطئ. وبامكانه ايضًا احداث تحول في انماط تساقط الامطار  مما يؤدي بدوره الى ازدياد الجفاف وحدوث العواصف المدارية الشديدة.

تلوث الهواء الداخلي. يحدث هذا التلوث عن احتباس الملوثات داخل المباني التي تعاني انظمة تهويتها من سوء  التصميم. وانواعه الرئيسية هي  :  دخان السجائر  والغازات المنبعثة من المواقد والافران  والكيميائيات المنزلية  وجسيمات الالياف  والابخرة الخطرة المنبعثة من مواد البناء  مثل العوازل والبويات والاصماغ. وتتسبب الكميات الكبيرة من هذه المواد داخل بعض المكاتب في حدوث الصداع وتهيج العيون ومشاكل صحية اخرى للعاملين فيها. وتسمى مثل هذه المشاكل الصحية احيانًا متلازمة المباني المريضة.

والرادون  وهو غاز مشع ينبعث عن انحلال اليورانيوم في الصخور الارضية  ملوث خطر آخر. ففي مقدوره ان يسبب سرطان الرئة اذا ما استنشق بكميات وافرة. ويتعرض الناس لغاز الرادون اذا ما تسرب هذا الغاز الى الطوابق السفلى من المنازل المبنية فوق تربة او صخور مشعة. وفي مقدور المباني عالية الكفاءة  والتي تحافظ على الهواءالساخن او البارد داخلها  ان تحتبس الرادون في الداخل وان ترفع من تركيزه.


تلوث الماء. هو اختلاط الماء بمياه المجاري او الكيميائيات السامة او الفلزات او الزيوت او اية مواد اخرى. وفي مقدور هذا التلوث ان يؤثر في المياه السطحية  مثل الانهار والبحيرات والمحيطات  كما يمكن ان يؤثر في المياه التي في باطن الارض  والمعروفة بالمياه الجوفية. وبامكانه ايضًا ان يسبب الاذى لانواع عديدة من النباتات والحيوانات. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية  يموت ما يقرب من خمسة ملايين شخص سنويًا  بسبب تجرعهم ماءً ملوثًا.

وفي النظام المائي الصحي  تعمل دورة من العمليات الطبيعية  على تحويل المخلفات الى مواد نافعة او ضارة. وتبدا الدورة عندما تستخدم كائنات عضوية تعرف بالبكتيريا الهوائية الاكسجين الذائب في الماء  لهضم المخلفات. وتنتج هذه العملية النترات والفوسفات وغيرها من المغذيات  عناصر كيميائية تحتاجها الكائنات الحية في نموها . وتمتص الطحالب والنباتات المائية الخضراء هذه المغذيات  وتاكل حيوانات مجهرية تدعى العوالق الحيوانية الطحالب  وتاكل الاسماك تلك العوالق. اما الاسماك فقد تاكلها اسماك اكبر منها او طيور او حيوانات اخرى. وتنتج عن هذه الحيوانات مخلفات جسمية  ثم ما تلبث ان تموت. وتحلل البكتيريا هذه الحيوانات الميتة  والمخلفات الحيوانية  ثم تعاود الدورة الكرة مرة اخرى.

يحدث التلوث المائي عندما يُلقي الناس بكميات من المخلفات في نظام مائي ما  بحيث تصل الى درجة لايكون  معها في وسع عمليات التنقية الطبيعية التابعة له ان تؤدي وظيفتها على الوجه المطلوب. وبعض المخلفات  مثل الزيت والاحماض الصناعية والمبيدات الزراعية  تسمم النباتات المائية والحيوانات  بينما تلوث بعض المخلفات الاخرى مثل المنظفات الفوسفاتية والاسمدة الكيميائية وروث الحيوانات  بمد الحياة المائية بمزيد من المغذيات. وتسمى هذه العملية الاثراء الغذائي  وتبدا عندما تنساب كميات كبيرة من المغذيات الى انظمة المياه حيث تعمل المغذيات على تحفيز النمو الزائد للطحالب. وكلما ازداد نمو الطحالب  ازداد فناؤها بالمقابل. وتستهلك البكتيريا الموجودة في الماء كميات كبيرة من الاكسجين لتهضم بذلك الفائض من الطحالب الميتة. ويؤدي ذلك الى نقص مستوى الاكسجين في الماء مما يتسبب في موت الكثير من النباتات المائية وكذلك الحيوانات.


التلوث الحراري يحدث حينما يضاف الماء الساخن الى جسم مائي. وفي هذه الصورة التي اخذت بوساطة فيلم  خاص للاشعة تحت الحمراء  يظهر الماء الادفا اكثر تلونا من بقية المياه في النهر. وياتي الماء الساخن من محطة توليد طاقة نووية  ويحمله التيار الى اسفل المجرى
يصدر التلوث المائي عن المؤسسات التجارية والمزارع والمنازل والمصانع ومصادر اخرى  ويشتمل على نفايات المجاري والكيميائيات الصناعية والكيميائيات الزراعية ومخلفات المواشي. ومن اشكال التلوث المائي ايضًا الماء الحار النظيف المنبعث من محطات القدرة الى مجاري المياه. ويتسبب هذا الماء الحار المسمى بالتلوث الحراري في الاضرار بالاسماك والنباتات المائية عن طريق تقليل كمية الاكسجين في الماء. وفي مقدور الكيميائيات والزيوت المنسكبة ان تحدث تلوثًا مائيًا مدمرًا يتسبب في قتل الطيور المائية والمحار والحياة الفطرية الاخرى.

ويحدث بعض التلوث اذا لم يَجْر فصل مُحْكم بين مجاري المياه ومياه الشرب النظيفة. ففي المناطق التي تفتقر الى محطات حديثة لمعالجة مياه المجاري  يمكن ان تنساب المياه التي تحمل معها المخلفات البشرية الى موارد  المياه. مما يؤدي الى اختلاط البكتيريا الناقلة للامراض بماء الشرب وتتسبب في الاصابة بامراض مثل الكوليرا والدوسنتاريا.

اما في المناطق التي تحظى بصرف صحي جيد فان معظم المخلفات البشرية تنساب في انابيب وضعت في باطن الارض  حيث ينتهي بها المطاف الى محطات معالجة خاصة تقتل البكتيريا الضارة وتزيل المخلفات الصلبة.



الامطار الحمضية قتلت او اتلفت مساحات شاسعة كثيفة الاشجار  اعلاه   في منطقة الغابات السوداء بالمانيا.
تلوث التربة هو التدمير الذي يصيب طبقة التربة الرقيقة الصحية المنتجة  حيث ينمو معظم غذائنا. ولولا التربة الخصيبة لما استطاع المزارعون انتاج الغذاء الكافي لدعم سكان العالم.

تعتمد التربة الصحية على البكتيريا والفطريات والحيوانات الصغيرة لتحليل المخلفات التي تحتويها  وانتاج المغذيات. وتساعد هذه المغذيات في نمو النباتات. وقد تحد الاسمدة والمبيدات من قدرة الكائنات العضوية التي في التربة على معالجة المخلفات. وبناء عليه  فان في مقدور المزارعين الذين يفرطون في استخدام الاسمدة والمبيدات ان يعملوا على تدمير انتاجية التربة.

وهناك عدد من النشاطات البشرية الاخرى التي يمكنها تدمير التربة. وقد يؤدي ري التربة في المناطق الجافة  مع وجود نظام تصريف سيئ  الى ترك الماء راكدًا في الحقول. واذا ما تبخر هذا الماء الراكد فانه سيخلف الرواسب الملحية من ورائه جاعلاً التربة شديدة الملوحة  مما يؤثر في نمو المحاصيل. وتؤدي عمليات التعدين والصهر الىتلويث التربة بالفلزات الثقيلة السامة. كما يرى كثير من العلماء ان في امكان المطر الحمضي ان يقلل من خصوبة التربة.


المخلفات الصلبة ربما تكون اكثر اشكال التلوث ظهورًا للعيان. ففي كل عام يُلقي الناس ببلايين الاطنان منالمخلفات الصلبة. وتُسهم المخلفات الصناعية بنصيب وافر من هذه المواد المطروحة. وتسمى المخلفات الصلبة الصادرة عن المنازل والمكاتب والمخازن المخلفات البلدية الصلبة  وتشمل الورق والبلاستيك والقوارير والعلب والنفايات الغذائية ونفايات الحدائق. ومن المخلفات الاخرى خُرد السيارات والمعادن ومخلفات العمليات الزراعية ومخلفات التعدين المسماة نفايات الحُفر.


النفايات الصلبة التي تلفظها المنازل والمصانع  ربما كانت اكثر مسببات التلوث وضوحًا. درجت كثير من المجتمعات على دفن المخلفات في مناطق واسعة مكشوفة تدعىمدافن النفايات.
يمثل تداول المخلفات الصلبة مشكلة في حد ذاته  لان معظم طرق التخلص من المخلفات تعمل على تدميرالبيئة. فمطارح النفايات المكشوفة تسيئ الى الجمال الطبيعي للارض  وتوفر ماوى للفئران والحيوانات الاخرى الناقلة للامراض. وقد تحتوي المطارح المكشوفة وحُفر الرّدم  مساحات تدفن فيها النفايات  على مواد سامة قد تتسرب الى المياه الجوفية او مجاري المياه والبحيرات. ويكوِّن الاحتراق غير المراقب للمخلفات الصلبة دخانًا وملوثات جوية اخرى. وحتى حرق المخلفات في المحارق قد يطلق الكيميائيات السامة والرماد والفلزات الضارة الىالهواء.


المخلفات الخطرة تتكون من المواد المطروحة التي قد تهدد صحة البشر والبيئة. ويعد المخلف خطرًا اذا ما تسبب في تآكل المواد الاخرى  او انفجر  او اشتعل بسهولة  او تفاعل بشدة مع الماء  او كان سامًا. وتشمل مصادرالمخلفات الخطرة المصانع والمستشفيات والمعامل  وفي مقدورها ان تتسبب في احداث الاصابات الفورية اذا ما تنفسها الناس او ابتلعوها او لمسوها. وقد تلوث بعض المخلفات الخطرة  اذا ما دُفنت في باطن الارض او تُركت في المطارح المكشوفة  المياه الجوفية  وقد تختلط بالمحاصيل الغذائية.

لقد ادى سوء التداول والطرح غير المقصود للمخلفات الخطرة الى العديد من الكوارث في العالم. ففي سنة 1978م ادى تسرب كيميائيات خطرة من مطرح للنفايات قرب شلالات نياجارا في ولاية نيويورك الى تهديد صحة القاطنين بالقرب من هذه المنطقة  مما اجبر المئات من الناس على ترك منازلهم. وفي سنة 1984م ادى تسرب غاز سام من مصنع للمبيدات في مدينة بوبال في الهند الى مقتل اكثر من 2800 شخص  واحدث تلفًا في عيون واجهزة تنفس اكثر من 20,000 شخص.

ويمكن لبعض المخلفات الخطرة ان تُحدث الاذى الشديد لصحة الناس والحياة البرية والنباتات  ومن هذه المخلفاتالاشعاع والمبيدات والفلزات الثقيلة.

الاشعاع ملوث غير منظور يمكنه تلويث اي جزء من البيئة. وينتج معظم الاشعاع عن مصادر طبيعية مثل المعادن واشعة الشمس  كما ان في وسع العلماء انتاج العناصر المشعة في معاملهم. وقد يسبب التعرض لكميات كبيرة من الاشعاع تلف الخلايا  وقد يؤدي الى الاصابة بالسرطان.

وتمثل المخلفات المشعة الناتجة عن المفاعلات النووية ومصانع الاسلحة مشكلة بيئية كامنة الخطورة  حيث تبقى بعض هذه المخلفات نشطة في اشعاعها آلاف السنين  كما ان التخزين الآمن للمخلفات المشعة صعب وباهظ التكاليف.

المبيدات يمكنها الانتقال لمسافات شاسعة خلال البيئة. فقد تحملها الرياح  عند رشها على المحاصيل او في الحدائق  الى مناطق اخرى. وقد تنساب المبيدات مع مياه الامطار الى جداول المياه القريبة او تتسرب خلال التربة الى المياه الجوفية. ويمكن لبعض المبيدات ان تبقى في البيئة لسنوات طويلة  وان تنتقل من كائن عضوي لآخر.  فالمبيدات الموجودة في مجرى مائي  على سبيل المثال  قد تمتصها الاسماك الصغيرة والكائنات العضوية الاخرى. وتتراكم كميات اكبر من هذه المبيدات في انسجة الاسماك الكبيرة التي تاكل الكائنات العضوية الملوثة.

الفلزات الثقيلة تشمل الزئبق والرصاص. وقد تطلق عمليات التعدين وحرق المخلفات الصلبة والعمليات الصناعيةوالمركبات الفلزات الثقيلة الى البيئة. ومثل المبيدات يمتد اثر الفلزات الثقيلة لفترات طويلة  وبامكانها الانتشار فيالبيئة. ومثل المبيدات ايضًا  قد تتجمع هذه الفلزات في عظام وانسجة الحيوانات. وفي البشر قد تؤدي هذه الفلزات الى تدمير الاعضاء الداخلية والعظام والجهاز العصبي. ويمكن للكثير منها ان يؤدي الى الاصابة بالسرطان.


التلوث بالضجيج. ينتج عن الآلات  مثل الطائرات والمركبات ومعدات الانشاءات والمعدات الصناعية. ولايسبب الضجيج اتساخ الهواء او الماء او اليابسة  لكنه قادر على تنغيص الحياة واضعاف السمع لدى البشر والحيوانات الاخرى.


مكافحة التلوث
تعتمد مكافحة التلوث على جهود الحكومات والعلماء والمؤسسات والمصانع والزراعة والمنظمات البيئية والافراد.



اعادة تصنيع النفايات
النشاط الحكومي. تعمل الحكومات  القومية والمحلية  في مختلف ارجاء العالم على التخلص من التلوث الذي يسبب التلف لارضنا من يابسة وهواء وماء. وبالاضافة الى ذلك بذلت جهود دولية عديدة لحماية الموارد الارضية.

وقد سنت العديد من الحكومات المحلية القوانين التي تساعد في تنقية البيئة. وفي بعض مدن العالم الكبرى واكثرها تلوثًا وضعت الحكومات المحلية الخطط للحد من التلوث الهوائي. وتشتمل مثل هذه الخطط على خطوات تحد من استخدام المركبات الخصوصية وتشجع النقل الجماعي.

وفي مقدور الحكومات سن القوانين الخاصة بعملية اعادة التدوير  اعادة التصنيع . واعادة التدوير عملية تهدف الى استرداد المواد واعادة استخدامها بدلاً من التخلص منها. ففي فيينا بالنمسا مثلاً  يتوجب على المواطنين ان يفرزوا نفاياتهم في حاويات خاصة بالورق والبلاستيك والمعادن وعلب الالومنيوم والزجاج الابيض والزجاج الملون ومخلفات الطعام والحدائق. وتشجع العديد من الولايات الامريكية وعدد من الدول الاوروبية على اعادة استخدام القوارير بفرض تامين مسترد في حالة اعادة القارورة.

كذلك سنت العديد من الدول تشريعاتها الخاصة بالتخلص من التلوث  كما انها تنظم وسائل التخلص من المخلفاتالصلبة والخطرة. ولدى العديد من الدول الصناعية وكالات تملك سلطة مراقبة التلوث وفرض التشريعات.

ومن الطرق الفعّالة التي يمكن ان تلجا اليها الحكومات لمكافحة نوع معين من انواع التلوث حظر الملوث. فمثلاً   حظرت بعض الدول استخدام المبيد الحشري الخطر  دي تي تي  في كل الاغراض  عدا الاغراض الاساسية. وقد وجد المزارعون بدائل اقل ضررًا يمكن ان تحل محله.

وقد تحظر حكومة ما بعض الاستخدامات لمادة معينة وتبيح بعضها الآخر. فالرصاص مثلاً  فلز سام في مقدوره ان يسبب تلف الدماغ والكلى والاعضاء الاخرى. وقد حظرت الولايات المتحدة الامريكية استخدام البنزول المرصص والدهانات المنزلية الرصاصية  ولكنها تسمح باستخدام الرصاص في البطاريات ومواد البناء والدهانات الصناعية. وعلى الرغم من الاستخدام المستمر للرصاص في بعض المنتجات الا ان القيود على هذا الفلز في الدهانات والوقود قد حدت المشاكل الصحية التي يسببها.

ومن الاستراتيجيات الحكومية التي يمكن ان تساعد في مكافحة التلوث  فرض الغرامات على الشركات المسببةللتلوث. ففي استراليا وعدد من الدول الاوروبية تُفرض الغرامات على المؤسسات التي تلوث مجاري المياه. ومثل هذه الغرامات كفيلة بتشجيع الشركات على الاستثمار في اجهزة مكافحة التلوث او في تطوير وسائل تشغيل قليلة التلوث. وفي امكان الحكومات ان تفرض الضرائب على المنتجات الملوثة. فمثلاً  تفرض معظم الدول الاسكندينافية الضرائب على القوارير غير المسترجعة. وتقضي بعض الانظمة الحكومية ببساطة ان على المؤسسات ان تُعْلِم الجمهور بعدد الملوثات التي تلقي بها الى البيئة. وقد دفعت هذه الانظمة بعض الشركات الى البحث عن طرق تحد بها من التلوث  للحيلولة دون تكوين المستهلكين لانطباع سيئ عنهم والانصراف عن شراء منتجاتهم.

ويصعب التحكم في العديد من انواع التلوث  ويرجع السبب في ذلك الى ان ملكية الموارد العالمية  اي المحيطات والغلاف الجوي  ليست فردية  ولا تخص اُمَّة بعينها. ولابد لسكان العالم  والحالة هذه  من ان تتضافر جهودهم من اجل مكافحة التلوث.

وقد داب ممثلون عن الكثير من الدول على الاجتماع منذ السبعينيات لمناقشة الطرق الكفيلة بالحد من التلوث الذي يؤثر في ماء وهواء كوكب الارض. وعقدت هذه الدول المعاهدات والمواثيق التي تساعد في مكافحة مشاكل مثل المطر الحمضي ونقصان طبقة الاوزون والقاء المخلفات في المحيطات. ففي الاتفاقية التي اطلق عليها بروتوكول مونتريال حول المواد التي تستنزف طبقة الاوزون  والتي عقدت في سنة 19899م  اتفقت الدول المنتجة للكلوروفلوروكربونات على ايقاف انتاجها لهذه الكيميائيات تدريجيًا. ونص تعديل لهذه الاتفاقية اجري في سنة 1991م على حظر الكلوروفلوروكربونات حظرًا تامًا بحلول عام 2000م. وفي عام 1992م وافقت العديد من الدول الاوروبية على وقف انتاجها من الكلوروفلوروكربونات قبل ذلك التاريخ  اي بحلول 1996م. وقد اوقفت معظم الدول انتاج الكلوروفلوروكربونات في الموعد المحدد  وارجات بعض الدول تنفيذ القرار الى عام 2010م. وفي عام 1992م ايضًا اجتمع ممثلون عن 178 دولة في ريودي جانيرو لحضور مؤتمر الامم المتحدة حول البيئة والتنمية. وقد كان هذا  المؤتمر  الذي عُرف بقمة الارض  اهم مؤتمر عالمي انعقد حول البيئة  حيث وقّع اعضاء الامم المتحدة على اتفاقيات لمنع تاثير البيت المحمي والحفاظ على الغابات والكائنات المهددة بالانقراض ومواضيع اخرى.

وفي عام 2001م  وقّعت 127 دولة على اتفاقية حظر استخدام 12 من الملوثات العضوية المداومة. وتنتقل هذه  المواد الكيميائية ومن بينها مادة د.د.ت. بالهواء والماء عبرالدول مهددة الانسان والحيوان على حد سواء. وحثت الاتفاقية العلماء والشركات الصناعية والحكومية على التقليل من وجود الملوثات العضوية المداومة في البيئة.


الجهود العلمية. دفع الاهتمام الواسع بالبيئة العلماء والمهندسين الى البحث عن الحلول التقنية لهذه المسالة. فبعض الابحاث تحاول ايجاد طرق للتخلص من التلوث او تدبيره  وبعضها الآخر يهدف الى منعه. ويعمل العديد من  الباحثين الصناعيين على ايجاد المزيد من الطرق الاقتصادية لاستخدام الوقود والمواد الخام الاخرى. ونتيجة لهذه الابحاث تستخدم بعض المدن الاوروبية حاليًا حرارة المخلفات الناتجة عن محطات القدرة ومحارق النفايات  في  تدفئة البيوت. وتحرق المحركات الحديثة الوقود بطريقة انظف واكثر فعالية من المركبات القديمة. كما طور بعض الباحثين سيارات تستخدم وقودًا نظيف الاشتعال مثل الميثانول  وهو مادة كحولية  والغاز الطبيعي. وتستخدم بعض السيارات في البرازيل نوعًا آخر من الكحولات  وهو الايثانول وقودًا. ويعكف العلماء ايضًا على تطوير سيارات تعمل بغاز الهيدروجين  وهو غاز لا يُصدر اي تلوث اذا ما اشتعل.

ويبحث العلماء والمهندسون في طرق لتوليد الطاقة الكهربائية بتكلفة اقل من الموارد المتجددة مثل الرياح والشمس  والتي قلما نتج عنها اي تلوث. وتزود حقول واسعة من طواحين الهواء  تسمى مزارع الريح العديد من الاقطار بالكهرباء  حيث تُحوِّل نبائط تسمى الخلايا الفولتية الضوئية اشعة الشمس مباشرة الى الكهرباء. ففي مدينة ساكرامنتو بكاليفورنيا في الولايات المتحدة الامريكية تنتج محطة قدرة فولتية ضوئية تكفي لانارة الف منزل.


المؤسسات والمصانع. اكتشفت العديد من الشركات ان الحد من التلوث امر مطلوب من المنظور التجاري. فقد وجد بعضها ان الحد من التلوث يحسِّن صورتها لدى الجماهير كما انه يوفر المال. وطور آخرون منتجات او وسائل لا تشكل خطورة على البيئة  وذلك سعيًا لكسب رضى المستهلكين  كما طور البعض الآخر انظمة لمكافحة التلوثلاعتقادها بان القوانين سترغمهم على فعل ذلك  آجلاً او عاجلاً. وتحد بعض الشركات من التلوث لان القائمين على هذه الشركات آثروا ان يفعلوا ذلك.

لقد كان التخلص من المخلفات في الماضي رخيصًا نسبيًا لمعظم المؤسسات. اما اليوم فان المواقع المصرح بها  للتخلص من النفايات اضحت نادرة  وزادت تكاليف استخدامها. ونتيجة لذلك ابتدعت العديد من المؤسسات طرقًا لانتاج اقل قدر ممكن من المخلفات. فمثلاً قد يستخدم المصنعون حدًا ادنى من التغليف  ومواد تغليفية يمكن اعادة تدويرها  اذ كلما خفّ التغليف قلّ استهلاك موزعي المنتجات للوقود  وقلّ ما يلقي به المستهلكون من التغليف في النفايات.

وتتخصص العديد من المؤسسات في انواع مختلفة من وسائل ادارة التلوث. ويتوقع لاعمال الحد من التلوث  او القضاء عليه  ان تكون واحدة من اسرع الصناعات المستقبلية نموًا. فمثلاً  طورت بعض مؤسسات ادارة التلوث نبائط  للتخلص من الهبائيات الضارة المنطلقة من المداخن. فالهبائيات يمكن احتجازها باستخدام المرشحات  او المصائد التي تستخدم الكهرباء الساكنة  او نبائط تسمى المغسالات  تغسل الهبائيات عن طريق الرش بالكيميائيات. وتساعد مؤسسات اخري الشركات في تنفيذ الاوامر الحكومية من اجل التخلص من التلوث. وتدير بعض المؤسسات برامج اعادة التدوير وحفظ الطاقة. كما تساعد بعض المؤسسات الاخرى في تطوير عمليات تقلل من الملوثات.

وبصرف النظر عن السبب والكيفية التي بدات فيها الصناعات في التخلص من الملوثات  فانها عملية بطيئة وباهظة التكاليف. وتعتمد العديد من المؤسسات على ارخص طرق الانتاج المتاحة  حتى لو كانت هذه الطرق تحمل التلوث في طياتها. فمحطات القدرة  على سبيل المثال  تحرق عادة الزيت والفحم لتوليد الكهرباء  نظرًا لكونها اكثر الطرق ملاءمة من الناحية الاقتصادية. ويستخدم المصنعون الكادميوم والرصاص والزئبق في صناعة البطاريات  لان هذه الفلزات  على الرغم من سميَّتها  تحسن كفاءة البطاريات. وعندما تضاف تكلفة التخلص من التلوث الناتج عن طرق الانتاج الحالية الى تكاليف التصنيع  يتضح ان الطرق قليلة التلوث هي الافضل من الناحية الاقتصادية.


الزراعة. يطور العلماء والمزارعون طرقًا لتنمية الغذاء تتطلب القليل من الاسمدة والمبيدات. ويستخدم الكثير من المزارعين الدورات الزراعية  اي المناوبة بين المحاصيل من سنة لاخرى  لتقليل الحاجة الى الاسمدة الكيميائية. فالمناوبة بين الذرة والقمح والمحاصيل الاخرى والبقول  كالفصفصة وفول الصويا  تساعد في تعويض النيتروجين المفقود من التربة. وتساعد الدورات الزراعية ايضًا في مكافحة الآفات والامراض الزراعية. ويستخدم بعض المزارعين خليط التسميد والاسمدة الاخرى التي لاتضر التربة. وبدلاً من رش المحاصيل بالمبيدات الضارة يكافح بعض المزارعين الحشرات باطلاق انواع من البكتيريا او الحشرات الاخرى التي تفترس هذه الآفات. ويعكف العلماء على تطوير نباتات مهندسة وراثيًا  تقاوم الآفات الزراعية.

ويسمى استخدام الدورات الزراعية واستخدام الاعداء الطبيعيين للآفات معًا المكافحة الطبيعية للآفات. ويطلق على التجميع بين الاستخدام المحدود للمبيدات الحشرية الكيميائية والمكافحة الطبيعية الادارة المتكاملة لمكافحة التلوث للآفات. ويستخدم الذين يلجاون الى هذا النوع من المكافحة كميات قليلة من المبيدات الكيميائية  وحتى هذه الكميات القليلة لا يستخدمونها الا اذا راوا انهم سيحصلون على نتائج جيدة.


المنظمات البيئية. تساعد في مكافحة التلوث عن طريق محاولة التاثير على المشرِّعين وانتخاب القادة السياسيين الذين يولون اهتمامًا بالبيئة. وتقوم بعض الجماعات بجمع الاموال لشراء الاراضي وحمايتها من الاستغلال. وتدرس جماعات اخرى تاثيرات التلوث على البيئة  وتطور نظمًا لادارة ومنع التلوث  وتستخدم ما توصلت اليه من نتائج لاقناع الحكومات والصناعات بالعمل على منع التلوث او الحد منه. وتقوم المنظمات البيئية ايضًا بنشر المجلات والمواد الاخرى لاقناع الناس بضرورة منع التلوث. وتقف جماعة السلام الاخضر واصدقاء الارض في طليعة هؤلاء الناشطين.

وقد تشكلت احزاب سياسية تمثل الاهتمامات البيئية في العديد من الدول الصناعية. ولهذه المنظمات  والتي تعرف باحزاب الخُضْر  تاثير متنام على السياسات الحكومية تجاه البيئة. ومن الدول التي توجد فيها مثل هذه الاحزاب استراليا والنمسا والمانيا وفنلندا وفرنسا ونيوزيلندا واسبانيا والسويد.



جهود الافراد
جهود الافراد. يعد حفظ الطاقة من اهم الطرق التي يمكن للفرد ان يتبعها للحد من التلوث. فحفظ الطاقة يحدّ منالتلوث الهوائي الناجم عن محطات القدرة. وقد تؤدي قلة الطلب على الزيت والفحم الحجري الى التقليل من  انسكاب الزيت  ومن التلف الحاصل للمناطق المشتملة على الفحم الحجري. والتقليل من قيادة السيارات يعد ايضًا احد افضل طرق توفير الطاقة وتجنب التلوث الحاصل للهواء.

وفي مقدور الناس توفير الطاقة الكهربائية عن طريق شراء مصابيح الانارة والاجهزة المنزلية ذات الكفاءة العالية. فمصابيح الفلورسنت  على سبيل المثال  تستهلك 25% فقط من الطاقة التي تستهلكها المصابيح المتوهجة. ويمكن ايضًا توفير الطاقة بالتقليل من استخدام الاجهزة  وباطفاء الاجهزة والمصابيح في حالة عدم وجود حاجة اليها  وبتوقيت ضابط الحرارة المنزلي على 20°م او اقل في الشتاء  وعلى 26°م او اكثر في الصيف. وبالاضافة الى ذلك  تحتاج المباني التي عولجت نوافذها بطريقة خاصة  وذات العزل الجيد  الى قدر من الوقود والكهرباء  بغرض التدفئة او التبريد  اقل بكثير من المباني التي تخلو من هذه الميزات.

وفي مقدور الناس ايضًا شراء المنتجات التي لاتشكل خطرًا على البيئة. فبامكان الاسر  على سبيل المثال  ان تحدّ من التلوث عن طريق تقليل استخدام المنظفات السامة  والتخلص الصحيح من هذه المنتجات. فاذا ما امتنع المستهلكون عن شراء المنتجات الضارة فلسوف يتوقف المصنعون عن انتاجها.

ومن الطرق الاخرى التي يمكن للناس ان يحدوا بها من التلوث الحد من اكل اللحوم. فالمزارعون يستخدمون كميات  كبيرة من الاسمدة لزيادة كمية الحبوب التي تتغذى بها المواشي. ولو ان الناس قللوا من اكل اللحوم وزادوا اكل الحبوب والخضراوات لقلل المزارعون من استخدامهم للاسمدة والمبيدات. ولا يرضى كثير من الناس من الفاكهة والخضراوات الا الصحيحة الكاملة  والخالية من العيوب  وهذا ما يقدر المزارعون على توفيره دون استخدام كميات كبيرة من المبيدات. ولو ان الناس ارتضوا الفاكهة والخضراوات بما فيها من عيوب طفيفة  لقلل المزارعون استخدامهم للكيميائيات.

ومن اسهل الطرق التي يمكن للافراد اتباعها من اجل منع التلوث  اعادة استخدام المنتجات. فمثلاً  يستخدم بعض منتجي الالبان القوارير الزجاجية بدلاً عن العبوات الكرتونية الورقية. ويمكن اعادة تعبئة هذه القوارير واستخدامها مرة اخرى. وفي مقدور الناس اعادة استخدام الاوراق القديمة والحقائب البلاستيكية لحمل مشترياتهم او وضع النفايات فيها. وباعادة استخدام المنتجات يمكن للناس تجنب التلوث المرتبط بانتاج المزيد من المنتجات والتلوث المتسبب عن رمي المنتج.

والتدوير طريقة اخرى لاعادة استخدام المواد. فالعديد من المدن والبلدات تنظم عملية تجميع المخلفات من اجل اعادة معالجتها. ويوفر التدوير كلا من المادة والطاقة  ويمنع التلوث. وهناك الكثير من المخلفات المتنوعة التي يمكن تدويرها. ومن المخلفات الشائع تدويرها  :  العلب والزجاج والورق والاوعية البلاستيكية والاطارات القديمة.  فالعلب يمكن صهرها واستخدامها في تصنيع علب جديدة. والزجاج يمكن سحقه وتصنيع اوعية جديدة منه  او استخدامه في مواد البناء. والورق يمكن معالجته الى منتجات ورقية مختلفة. ويمكن صهر البلاستيك واعادة تشكيله الى سياج او الواح او مناضد او سجاد. اما الاطارات القديمة فيمكن حرقها لانتاج الطاقة  او تقطيعها واضافتها الى الاسفلت  او صهرها وقولبتها الى منتجات مثل الحصائر الارضية ومعدات الملاعب.

واهم الطرق التي يمكن للناس ان يكافحوا بها التلوث  ان يتعلموا قدر استطاعتهم كيف يمكن لنشاطاتهم ان تؤثر على البيئة. وفي مقدورهم بعد ذلك  ان يلجاوا الى خيارات ذكية  للتقليل من الدمار الحاصل لهذا الكوكب.


نبذة تاريخية
يتسبب البشر على الدوام في احداث تلوث ما للبيئة. فقد اوجد الناس المخلفات منذ عصور ما قبل التاريخ. ومثل النفايات في هذه الايام  كانت المخلفات تحرق  او تلقى في مجاري المياه  او تدفن في الارض  او تطرح فوق سطحها. ولكن مخلفات الاقدمين كانت في معظمها نفايات طعام  او مواد اخرى سهلة التحلل عن طريق عمليات  الانحلال الطبيعي. وعدد السكان في الماضي كان قليلاً  وكانوا موزعين على مناطق شاسعة من الارض. ونتيجة لذلك كان تركيز التلوث قليلاً  ولم يسبب الا القليل من المشاكل.


انتشار التلوث. بدا انتشار التلوث في العصور الغابرة عندما اخذت مجموعات كبيرة من الناس تعيش معاً في المدن   واتسع باتساع هذه المدن. وقد تسببت الممارسات غير الصحية  وموارد المياه الملوثة  في تفشي الاوبئة الجماعية في المدن القديمة. واصبحت المشاكل البيئية اكثر خطورة  واتسع نطاقها  في القرن الثامن عشر ومطلع  القرن التاسع عشر  خلال الحقبة المسماة بالثورة الصناعية  التي بدات في انجلترا ثم انتشرت الى الاقطار الاوروبية الاخرى وامريكا الشمالية. وقد تميزت هذه الفترة بتطور المصانع وازدحام المدن بالعاملين في الصناعة.

كانت المصانع  خلال فترة الثورة الصناعية  تستمد معظم طاقتها من الفحم الحجري. واستخدمت معظم منازل المدن الفحم الحجري وقودًا للتدفئة. وادى احتراق الفحم الحجري الى اغراق اجواء لندن والمدن الصناعية الاخرى  بالدخان والسناج. وبسبب سوء المرافق الصحية وصلت مياه المجاري الى موارد مياه الشرب في المدن  حيث ادى الماء الملوث الى الاصابة بحمى التيفوئيد  وغير ذلك من الامراض.

وفي الولايات المتحدة بدا تلوث الهواء يشكل خطورة كبيرة  في مطلع القرن العشرين. فبحلول ثلاثينيات القرن  العشرين امتلات اجواء كثير من مدن الشرق والغرب الاوسط بالدخان والسناج المنبعث من مصانع الفولاذ ومحطات القدرة والسكك الحديدية ومحطات التدفئة. وفي بعض المدن الصناعية كانت كثافة الدخان تصل  في الكثير من الاحايين  حدًا يضطر معه السائقون الى استخدام المصابيح الامامية  والاستعانة بمصابيح الشوارع اثناء النهار.


تطورات مكافحة التلوث. امكن الحد من التلوث الهوائي الناجم عن احتراق الفحم الحجري  الى حد كبير منذ  خمسينيات القرن العشرين  في اكثر مدن العالم. وتستخدم كل القطارات تقريبًا  والكثير من الصناعات ومحطات التدفئة المنزلية حاليًا الوقود النظيف مثل الغاز الطبيعي والزيت. وبالاضافة الى ذلك اتخذت الصناعات التي ما زالت تستخدم الفحم الحجري  عدة خطوات لمكافحة التلوث المنبعث من افرانها. اما الاوبئة التي تسببها العضيات  الدقيقة  الناقلة للامراض  والتي توجد في موارد مياه الشرب في المدن  فلم تعد تشكل مشكلة رئيسية في معظم اجزاء العالم  وذلك لان المدن تعالج مياهها الآن  وتبقي عليها خالية من العضيات الدقيقة  قدر المستطاع.


القضايا البيئية الحالية
تشمل القضايا البيئية الحالية الحاجة الى الموازنة بين مكاسب ومخاطر مكافحة التلوث  والآثار المترتبة على انتشار التلوث.


الموازنة بين المكاسب والمخاطر. ادى الاهتمام المتزايد بالبيئة الى الاحتجاج على كثير من المنتجات  والممارسات. ولكن بعض المنتجات والعمليات موضع النزاع  تقدم فوائد للمجتمعات. فمثلاً  تجادل الناس حول الحفاظات ذات الاستعمال الواحد  لانها تحتل حيزًا في حفر الردم وتتحلل ببطء  غير ان الحفاظات القماشية تتطلب غسيلاً  والغسيل يلوث الماء ويستهلك الطاقة. وتولد محطات القدرة النووية الطاقة دون ان تسبب تلوثًا للهواء  ولكن هذه المحطات تنتج مخلفات اشعاعية يصعب التخلص منها.

وتعمل المؤسسات وجماعات البيئة والعلماء على تحديد :  اي المنتجات والمواد والعمليات ينتج معظم التلوث. ولكن الخيارات المتاحة قليلة  ويصعب في الغالب تحديد المكاسب والمخاطر التي تعود على البيئة من المنتجات والممارسات المختلفة.

وعند اصدار القوانين الخاصة بالتلوث  ينبغي على المسؤولين الحكوميين ان ياخذوا بعين الاعتبار المخاطر الناجمة عن الملوث والآثار المالية المترتبة على اختيار نظام معين. وتقتضي بعض الانظمة ان تحصل الصناعات على اجهزة لمكافحة التلوث عالية التكلفة  او تحدث تغييرات انتاجية مكلفة او تتوقف عن تصنيع بعض المنتجات. وقد تسبب  مثل هذه التكاليف الفجائية خروج بعض الصناعات عن مجال العمل مما يخلق البطالة. وقد ينتج عن ذلك ان تشكل الآثار المترتبة على بعض قوانين التلوث المقترحة ضررًا على الناس اكبر من الضرر المترتب على الملوِّث نفسه.


آثار النمو السكاني. على الرغم من التقدم المطرد في حماية البيئة  الاّ ان مسالة التلوث قد اتسع نطاقها وازداد خطرها الكامن. ويعود السبب الرئيسي في ازدياد التلوث الى النمو الكبير في عدد سكان الارض يوميًا. ويعني المزيد من الناس وجود المزيد من المخلفات من كل صنف. وبناء عليه فان الحد من النمو السكاني يعد من اهم الطرق التي يمكن ان تستهل بها عملية مكافحة التلوث البيئي  حيث يتوقع ان يخفف الحد من النمو السكاني حدة التلف  ويعطي الناس مزيدًا من الوقت لتطوير انظمة فعالة لمكافحة التلوث.

ويحدث معظم النمو السكاني العالمي في الاجزاء الفقيرة من العالم  بما في ذلك دول معينة في آسيا وافريقيا  وامريكا اللاتينية  حيث يستغل الناس في هذه المناطق ما يتاح لهم من موارد قليلة لسد الكفاف. وتكافح حكومات الدول النامية من اجل بناء الصناعات الحديثة والنظم الزراعية الكفيلة بتوفير متطلبات الحياة الاساسية لمواطنيها. ولكن العديد من الدول النامية تستخدم تقنيات قديمة تؤدي الى التلوث  وذلك لعدم قدرة هذه الدول على تحمل تكاليف الميكنة الحديثة والفعالة. وحتى لو استطاعت توفير تكاليف مكافحة التلوث  فسيستمر التلوث في العالم  النامي في الارتفاع  وذلك  ببساطة  لان هذه الدول ماضية في طريق التصنيع  ويعني المزيد من الصناعة المزيد من التلوث.


الاسراف في العالم الصناعي. اعتاد كثير من الناس في اليابان والدول الغنية في امريكا الشمالية واوروبا على انماط حياتية مريحة  حيث تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والمواد الخام وينتج عن ذلك الكثير من المخلفات. فالشخص الذي يعيش في الدول الصناعية يستهلك حوالي عشرة اضعاف ما يستهلكه الشخص في الدول النامية من الوقود الاحفوري والكهرباء  وينتج ما يتراوح بين ضعفي وثلاثة اضعاف ما ينتجه الشخص في الدول النامية من المخلفات البلدية. وربما كان على الناس في العالم الصناعي ان يقبلوا بمستويات من الراحة والرفاهية اقل مما هي عليه اذا ما اريد للتلوث ان يصل الى حده المعقول. ويتطلب حل مشاكل التلوث البيئي العالمية تعاون الحكومات والصناعات في كل الدول  غنيها وفقيرها  كما يتطلب تضافر جهود الافراد في كل انحاء العالم.